17:27 PM

17:27 PM

خروج على بيت الطاعة في بيروت

2018-04-04

كلّ مَن استمع مساء أمس إلى الكلمات التي قيلت، أو مَن تلقّى علماً وخبراً بفحوى الرسائل، في حفل إطلاق حملة لائحة "كلنا وطني" في دائرة بيروت الأولى، قبالة "بيت بيروت"، السوديكو، في المكان الرمزي الذي عاش أسوأ أنواع المعارك، على خطّ التماس بين البيروتين، بات في إمكانه أن يضع معركة الانتخابات في بيروت ضمن سياقها الوطني – السياسي – الثقافي، وأن ينقلها من حيّز المعارك التقليدية بين متنازعين على مقاعد ومراكز نفوذ وتقاسم حصص، إلى الحيّز الفعلي للنقاش الفكري حول مستقبل لبنان، وموقع العاصمة في هذا المستقبل. 

بدأ الحفل بكلمة لدارين دندشلي، ثم كلمات للمرشحات والمرشحين الثمانية؛ لوسيان بورجيلي، لوري حيطايان، جيلبير ضومط، بوليت ياغوبيان، ليفون تلفزيان، يوركي تيروز، زياد عبس، وجمانة سلّوم حداد.

مبادرات ومشاريع ورؤى ومقترحات تذكّر بـ"حضور" سمير فرنجية وحكمته ومبادراته في المجتمع المدني؛ خطب ومواقف طليعية تذكّر بخطب سمير قصير ومواقفه، وخصوصاً كتابه التاريخي عن بيروت؛ وانتخابات تذكّر بمعارك التغييريين الذين أعلنوا وقوفهم ضدّ سياسة تهجير الشباب وضد قوى النهب والاستبداد والتفقير والتجويع، تأييداً لقيام دولة تطبيق الدستور، دولة الحق والمساواة والرأي الحر، الدولة المدنية.

لم يترك المرشحات والمرشحون الثمانية مسألة حسّاسة أو شائكة أو ملتبسة إلاّ أثاروها. من مسألة سيادة الدولة على ذاتها، إلى الجيش اللبناني الذي يجب أن يحفظ هو وحده هذه السيادة، ويدافع عنها، إلى مسائل الاستبداد وأنظمته وأقنعته الأمنية والدينية، إلى قضايا المفقودين، إلى مشكلة الشباب الذين يهاجرون لأنهم لا يجدون وظيفة، ولا يؤمّنون مستقبلاً لائقاً لهم في هذه البلاد، إلى مسألة انكفاء الأكثرية الصامتة التي ترفض المساهمة في التعبير والتغيير، إلى قضايا النفايات والتلوث والكهرباء والضرائب، وصولاً إلى دور النائب بالذات، وهو بيت القصيد في هذه المعركة الانتخابية التي يريدونها معركةً تحدد المفاهيم وتعيد الاعتبار إلى قيم السياسة والى الذين يضطلعون بمسؤولياتها.

هذا هو الانطباع الذي خرجتُ به مساء أمس عندما تفرّق الجمع الكبير الذي ضمّ شبّاناً وشابات وناساً من أجيال عمرية مختلفة، ومتطوعات ومتطوعين، ومؤيدين، التقوا ليعلنوا خروجهم الديموقراطي الهادئ والمتماسك على "بيت الطاعة" الذي جعل لبنان أسيراً في أيدي مجموعات من أصحاب المصالح والمتنفذين والزعماء، يتناوبون على الحكم أباً عن جد. 

لا رسائل عنف، ولا تبادل شتائم، ولا استعراضات قوة، ولا وعود معسولة. بل خطة منهجية عقلانية متكاملة لإعادة الاعتبار إلى بيروت كمدينة – مختبر، وكعاصمة دينامية لتبادل الأفكار ومناقشة الأسئلة الصعبة، التي تواجه لبنان على مفترقات ما يعيشه من أهوال اقتصادية ومعوقات سياسية ومجتمعية، وما تواجهه المنطقة من تحديات وأخطار مصيرية.

المرشحات والمرشحون كلّهم دون الخمسين من العمر، يخاطبون الأجيال الجديدة كمن يخاطبون أبناءهم وأخوتهم وأخواتهم، ويخاطبون المخضرمين والمتقدمين في السنّ، كمن يخاطبون آباءهم وأمهاتهم. وهذه صفة لائحةٍ تتيح لأعضائها وعي المشكلات من وجهتيها، وجهة الشباب ووجهة الكبار في السن، وجهة المتطلعين إلى الغد ووجهة الذين يحملون معهم ماضيهم وذكرياتهم إلى أيام يريدونها مطمئنة.

كانت بيروت هي الموضوع. كيف ننقذ بيروت من البراثن؟ براثن التلوث، براثن الزحمة، براثن الغلاء، براثن الفواتير الباهظة، براثن التهميش، براثن المصادرة، براثن التفاوت المجتمعي، براثن الهجرة والتهجير، براثن إجهاض المبادرات، براثن التصحر، براثن المعنى المصادَر والمستقبل المجهول.

الأجوبة ومشاريع الأجوبة كانت في متن الكلمات. لا جمل إنشائية، لا إدعاءات، ولا كلمات فارغة. الحلول جاهزة. والموقف كان حازماً: انتخبوا أعضاء اللائحة لتجد هذه المشاريع طريقها إلى حيّز التنفيذ في مجلس النواب والسلطة التنفيذية.

هذه هي الخلاصة التي خرجتُ بها من احتفال مساء أمس عند خط التماس، الذي تحوّل وعداً بأمل في التغييرر يتفتح من قلب العاصمة.


جوزف فرنسيس