13:58 PM

13:58 PM

إني بحاجةٍ إليكَ يا جورج

2018-03-27

 أنا لا أكتب عنكَ، أيها الأب الممشوق الجميل، يا صديقي وأخي جورج مسّوح، لأنكَ، على قول المؤمنين، صرتَ في "النور" وفي "دنيا الحق"، "جالساً من على يمين الربّ الإله".


أني أكتب عنكَ، ولكَ، وإليكَ، لأني بحاجةٍ إلى وجودكَ. إلى فعلكَ. إلى حقيقتكَ. إلى اختلافكَ. إلى هامشكَ. إلى غضبكَ. إلى ثورتكَ. إلى كونكَ في الجوهر، وعلى حدة. إلى صوتكَ. إلى كلمتكَ. وإلى انتشاركَ في المكان والزمان والفرد والجماعة. كلّ فرد، وكلّ جماعة.


المسألة ليست شخصية إلاّ في الحدّ العاطفي والإنسانوي والعقلي، حدّ التفلسف المعرفي، العرفاني، النوراني، النقدي، الحصيف، حدّ الذكاء الطليعي الرؤيوي الجارح، حدّ الصداقة النزيهة، وحدّ الكرامة العالية.


إلاّ أن هذه المسألة هي بالأحرى، عامة. بنيوية. جوهرية. وهي مسألةٌ تمسّ البنى النصيّة، اللاهوتية، الكنسية، والمجتمعية المفتوحة على اللامتناهي من الذات، كلّ ذات، واللامتناهي من الآخر، كلّ آخر.


المسألة أن المعنى، هذا المعنى بالذات، يا جورج، يُقبِل عندكَ، وعند أمثالكَ، من المستقبل. من الحاضر. وليس مرسوماً سلفاً، ولا قابعاً فحسب في ماضويته التاريخية.


وإذ أشهد أني، أنا، بحاجةٍ إليكَ يا جورج، فلأنكَ الإناء لهذا المعنى. ولأنكَ احتضنتَ هذا المعنى. ولأنكَ كنتَ حاملاً شعلته ومفاعيله في الأرض. فمن أجل هذا السبب، وهذه الغاية، أنا بحاجةٍ إليك.


إني، يا جورج، أضع غيابكَ الفادح في هذا السياق، وأحاول أن أفهمه، لكنْ من دون أن أرضى بتفهّم قسوته المتوحشة الخالية من كلّ اعتبار. لن أتواطأ مع "الدين"، ولا مع "الإيمان"، ولا مع "الحقّ"، في قبول هذا التفهّم.


إني أرفض مطلقاً، هذه القسوة، فكيف لا أرفضها لكَ. وأنا أرفضها، لا من أجلكَ، ومن أجل محبّيكَ فحسب، بل خصوصاً من أجل النقصان الذي سيعتري الفعل، والدور، والأثر، بسببٍ من غيابكَ المجحف هذا.


كأني أستكتبكَ لتقول باسمي: لا تهمّني الرياءات التي تستشري في الأوساط الحوارية، وهي في غالبيتها قشورٌ عابرة. وأحياناً هي أسوأ وأخطر؛ سمومٌ وأحقادٌ وأغبرةٌ مغلّفةٌ بالنعومة السخيفة.


وكأني أسمعكَ، الآن، وهنا، تطالب جهاراً وعلناً، بلاهوتٍ للتحرير، ليس في الثقافة والسياسة والأخلاق والمجتمع فحسب. بل تطالب بمثله في الدين، وتوّاً، ومباشرة، ولا إبطاء. وهذا مطلبٌ حيويٌّ للغاية، لا يكتفي باللاهوت المسيحي، بل يشمل اللاهوت الإسلامي، من أجل أن يتواكب اللاهوتان في المعنى والدور والأثر والمسؤولية.


لكأنكَ تطالب بمثل هذا التحرير ليشمل كلّ دين، وليشمل اللادين، أيضاً، ولا سيما، وخصوصاً، وفي الآن نفسه. من أجل أن يكون البشر، الإنسان الفرد والجماعة، في الخير والبحبوحة والجمال.


إني بحاجةٍ إليكَ، يا جورج، في هذا العمل اللبناني المشرقي العربي الإنساني. فساعدني من حيث أنت!


عقل العويط